Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة النساء - الآية 142

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) (النساء) mp3
قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل سُورَة الْبَقَرَة قَوْله تَعَالَى " يُخَادِعُونَ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا " وَقَالَ هَهُنَا إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعهمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّه لَا يُخَادِع فَإِنَّهُ الْعَالِم بِالسَّرَائِرِ وَالضَّمَائِر وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّة عِلْمهمْ وَعَقْلهمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ أَمْرهمْ كَمَا رَاجَ عِنْد النَّاس وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَام الشَّرِيعَة ظَاهِرًا فَكَذَلِكَ يَكُون حُكْمهمْ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَأَنَّ أَمْرهمْ يَرُوج عِنْده كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَوْم الْقِيَامَة يَحْلِفُونَ لَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الِاسْتِقَامَة وَالسَّدَاد وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ نَافِع لَهُمْ عِنْده كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَوْم يَبْعَثهُمْ اللَّه جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ " الْآيَة وَقَوْله " وَهُوَ خَادِعهمْ " أَيْ هُوَ الَّذِي يَسْتَدْرِجهُمْ فِي طُغْيَانهمْ وَضَلَالهمْ وَيَخْذُلهُمْ عَنْ الْحَقّ وَالْوُصُول إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَوْم يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات لِلَّذِينَ آمَنُوا اُنْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُوركُمْ - إِلَى قَوْله - وَبِئْسَ الْمَصِير " وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيث " مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّه بِهِ وَمَنْ رَايَا رَايَا اللَّه بِهِ " وَفِي الْحَدِيث الْآخَر " إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَبْدِ إِلَى الْجَنَّة فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَيَعْدِل بِهِ إِلَى النَّار " عِيَاذًا بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْله " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى " الْآيَة هَذِهِ صِفَة الْمُنَافِقِينَ فِي أَشْرَف الْأَعْمَال وَأَفْضَلهَا وَخَيْرهَا وَهِيَ الصَّلَاة إِذَا قَامُوا إِلَيْهَا قَامُوا وَهُمْ كُسَالَى عَنْهَا لِأَنَّهُمْ لَا نِيَّة لَهُمْ فِيهَا وَلَا إِيمَان لَهُمْ بِهَا وَلَا خَشْيَة وَلَا يَعْقِلُونَ مَعْنَاهَا كَمَا رَوَى اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر عَنْ خَالِد بْن أَبِي عِمْرَان عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يُكْرَه أَنْ يَقُوم الرَّجُل إِلَى الصَّلَاة وَهُوَ كَسْلَان وَلَكِنْ يَقُوم إِلَيْهَا طَلْق الْوَجْه عَظِيم الرَّغْبَة شَدِيد الْفَرَح فَإِنَّهُ يُنَاجِي اللَّه وَإِنَّ اللَّه تُجَاهه يَغْفِر لَهُ وَيُجِيبهُ إِذَا دَعَاهُ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَة " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى " وَرُوِيَ مِنْ غَيْر هَذَا الْوَجْه عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه فَقَوْله تَعَالَى " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاة قَامُوا كُسَالَى هَذِهِ صِفَة ظَوَاهِرهمْ كَمَا قَالَ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى صِفَة بَوَاطِنهمْ الْفَاسِدَة فَقَالَ يُرَاءُونَ النَّاس أَيْ لَا إِخْلَاص لَهُمْ وَلَا مُعَامَلَة مَعَ اللَّه بَلْ إِنَّمَا يَشْهَدُونَ النَّاس تَقِيَّة لَهُمْ وَمُصَانَعَة. وَلِهَذَا يَتَخَلَّفُونَ كَثِيرًا عَنْ الصَّلَاة الَّتِي لَا يُرَوْنَ فِيهَا غَالِبًا كَصَلَاةِ الْعِشَاء وَقْت الْعَتَمَة وَصَلَاة الصُّبْح فِي وَقْت الْغَلَس كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَثْقَل الصَّلَاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاة الْعِشَاء وَصَلَاة الْفَجْر وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُر بِالصَّلَاةِ فَتُقَام ثُمَّ آمُر رَجُلًا فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِق مَعِي بِرِجَالٍ وَمَعَهُمْ حُزَم مِنْ حَطَب إِلَى قَوْم لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاة فَأُحَرِّق عَلَيْهِمْ بُيُوتهمْ بِالنَّارِ " وَفِي رِوَايَة " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ عَلِمَ أَحَدهمْ أَنَّهُ يَجِد عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الصَّلَاة وَلَوْلَا مَا فِي الْبُيُوت مِنْ النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة لَحَرَّقْت عَلَيْهِمْ بُيُوتهمْ بِالنَّارِ " وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي بَكْر الْمُقَدَّمِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن دِينَار عَنْ إِبْرَاهِيم الْهَجَرِيّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَحْسَن الصَّلَاة حَيْثُ يَرَاهُ النَّاس وَأَسَاءَهَا حَيْثُ يَخْلُو فَتِلْكَ اِسْتِهَانَة اِسْتَهَانَ بِهَا رَبّه عَزَّ وَجَلَّ " وَقَوْله " وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّه إِلَّا قَلِيلًا " أَيْ فِي صَلَاتهمْ لَا يَخْشَوْنَ وَلَا يَدْرُونَ مَا يَقُولُونَ بَلْ هُمْ فِي صَلَاتهمْ سَاهُونَ لَاهُونَ وَعَمَّا يُرَاد بِهِمْ مِنْ الْخَيْر مُعْرِضُونَ . وَقَدْ رَوَى الْإِمَام مَالِك عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِق تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِق تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِق : يَجْلِس يَرْقُب الشَّمْس حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْن قَرْنَيْ الشَّيْطَان قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُر اللَّه فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا " وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر الْمَدَنِيّ عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • موقف الإسلام من الإرهاب وجهود المملكة العربية السعودية في معالجته

    موقف الإسلام من الإرهاب وجهود المملكة العربية السعودية في معالجته: إن مسألة الإرهاب من المسائل التي أصبحت تشغل مساحة كبيرة من الاهتمامات السياسية والإعلامية والأمنية، وتشد الكثير من الباحثين والمفكرين إلى رصدها ومتابعتها بالدراسة والتحقيق. وقد جاء هذا البحث ليُسهِم في تقديم رؤية في هذا الموضوع، وتحليل جوانبه، تتناول مفهوم الإرهاب وجذوره التاريخية وواقعه المعاصر، وتقويمه - فقهًا وتطبيقًا - من زاوية النظر الإسلامية التي يُحدِّدها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

    الناشر: موقع رابطة العالم الإسلامي http://www.themwl.org

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/330474

    التحميل:

  • تيسير العلام شرح عمدة الأحكام

    تيسير العلام شرح عمدة الأحكام: هذا الكتاب يحتوي على نخبة منتقاة من أصحّ آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - اختارها المؤلف من صحيحي البخاري ومسلم، ورتبها على الأبواب الفقهية؛ لتكون عوناً على أخذ المسائل من أدلتها الصحيحة، ونظراً لأهمية الكتاب فقد قام فضيلة الشيخ عبد الله البسام - رحمه الله - ببشرحه شرحاً تميز بأسلوب سهل، قريب المأخذ، مفصل المواضيع، فتكلم أولاً على المعنى المجمل متحرياً مطابقة اللفظ، ومبيناً ما طوي تحت الألفاظ من حكمة وتشريع أو توطئة وتمهيد وغيره مما توحيه الجمل والألفاظ، وإذا احتاج المقام إلى توضيح من بعض طرق الحديث التي لم يورده المؤلف أجمله الشارح معه، منبهاً على ذلك، لتتم الفائدة، ويستقيم البحث، ثم يستخرج من الحديث ما يدل عليه من الأحكام والآداب، ثم يذكر ما قوي من خلاف العلماء، مع ذكر أدلتهم ومآخذهم، مع حرصه على بيان حكمة التشريع وجمال الإسلام وسمو أهدافه، وجليل مقاصده، من وراء هذه النصوص، ليقف القارئ على محاسن دينه وشريف أغراضه، ويعرف أنه دين ودولة.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2098

    التحميل:

  • رسالة رمضان

    رسالة رمضان : قال المؤلف - رحمه الله -: « فهذه رسالة مختصرة جامعة فيما يهم المسلم في شهر رمضان من صيام وقيام وقراءة قرآن وصدقة وغير ذلك مما ستراه موضحًا فيها إن شاء الله تعالى ».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/231257

    التحميل:

  • المجتبى في تخريج قراءة أبي عُمر الدوري

    المجتبى في تخريج قراءة أبي عُمر الدوري: قال المُصنِّف - رحمه الله -: «لما أُسنِد إليَّ تدريس (تخريج القراءات) بكلية الآداب قسم اللغة العربية - جامعة الخرطوم .. أردتُ أن أعدّ بحثًا أُضمِّنه تخريج قراءة أبي عمر الدُّوريِّ (ت 246 هـ) عن أبي عمروٍ البصريِّ (ت 154 هـ) نظرًا لشُهرة هذه القراءة بين أهل السودان، وسمَّيتُه «المُجتبى» في تخريج قراءة أبي عُمر الدُّوريِّ. أما منهج هذا البحث فقد قسمتُه إلى بابين: الأول: الأصول: وهي كل قاعدةٍ كليةٍ مُطّردة في جميع القرآن الكريم. والثاني: الفرش: وهي كل كلمةٍ خاصَّةٍ بالسورة التي تُذكر ولا تتعدَّاها إلى غيرها إلا بالنصِّ عليها. وقد توخَّيتُ في بحثي هذا سُهلوةَ العبارة، وجَزالَة التركيب، بعيدًا عن التطويلِ المُمِلِّ أو التقصيرِ المُخِلِّ».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/384404

    التحميل:

  • حديث: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» دراسة حديثية نفسية

    حديث: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» دراسة حديثية نفسية: قال المؤلف: «وفيما يلي من الصفحات نعيش في رحاب هذا الحديث الشريف فهمًا ودراسةً واستنباطًا للأحكام القيمة والدروس النافعة لكل مسلمٍ، ولكل مستقيمٍ على هذا الدين، ولكل من يريد رفعة درجاته وتكفير سيئاته، ولكل داعيةٍ يريد سلوك صراط الله تعالى على فهمٍ وبصيرةٍ».

    الناشر: شبكة السنة النبوية وعلومها www.alssunnah.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/330171

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة