Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة يونس - الآية 93

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) (يونس) mp3
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ النِّعَم الدِّينِيَّة وَالدُّنْيَوِيَّة وَقَوْله " مُبَوَّأ صِدْق " قِيلَ هُوَ بِلَاد مِصْر وَالشَّام مِمَّا يَلِي بَيْت الْمَقْدِس وَنَوَاحِيه فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَهْلَكَ فِرْعَوْن وَجُنُوده اِسْتَقَرَّتْ يَد الدَّوْلَة الْمُوسَوِيَّة عَلَى بِلَاد مِصْر بِكَمَالِهَا كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَأَوْرَثْنَا الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَع فِرْعَوْن وَقَوْمه وَمَا كَانُوا يَعْرُشُونَ " وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى " فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَكُنُوز وَمَقَام كَرِيم كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيل " وَقَالَ " كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّات وَعُيُون " الْآيَات وَلَكِنْ اِسْتَمَرُّوا مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام طَالِبِينَ إِلَى بِلَاد بَيْت الْمَقْدِس وَهِيَ بِلَاد الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَاسْتَمَرَّ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ طَالِبًا بَيْت الْمَقْدِس وَكَانَ فِيهِ قَوْم مِنْ الْعَمَالِقَة فَنَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيل عَنْ قِتَالهمْ فَشَرَّدَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي التِّيه أَرْبَعِينَ سَنَة وَمَاتَ فِيهِ هَارُون ثُمَّ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام وَخَرَجُوا بَعْدهمَا مَعَ يُوشَع بْن نُون فَفَتَحَ اللَّه عَلَيْهِمْ بَيْت الْمَقْدِس وَاسْتَقَرَّتْ أَيْدِيهمْ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ أَخَذَهَا مِنْهُمْ بُخْتُنَصَّرَ حِينًا مِنْ الدَّهْر ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَخَذَهَا مُلُوك الْيُونَان فَكَانَتْ تَحْت أَحْكَامهمْ مُدَّة طَوِيلَة وَبَعَثَ اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي تِلْكَ الْمُدَّة فَاسْتَعَانَتْ الْيَهُود قَبَّحَهُمْ اللَّه عَلَى مُعَادَاة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِمُلُوكِ الْيُونَان وَكَانَتْ تَحْت أَحْكَامهمْ وَوَشَوْا عِنْدهمْ وَأَوْحَوْا إِلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا يُفْسِد عَلَيْكُمْ الرَّعَايَا فَبَعَثُوا مَنْ يَقْبِض عَلَيْهِ فَرَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ وَشُبِّهَ لَهُمْ بَعْض الْحَوَارِيِّينَ بِمَشِيئَةِ اللَّه وَقَدَره فَأَخَذُوهُ فَصَلَبُوهُ وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ هُوَ " وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا " ثُمَّ بَعْد الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام بِنَحْوِ ثَلَثمِائَةِ سَنَة دَخَلَ قُسْطَنْطِين أَحَد مُلُوك الْيُونَان فِي دِين النَّصْرَانِيَّة وَكَانَ فَيْلَسُوفًا قَبْل ذَلِكَ فَدَخَلَ فِي دِين النَّصَارَى قِيلَ تَقِيَّة وَقِيلَ حِيلَة لِيُفْسِدهُ فَوَضَعَتْ لَهُ الْأَسَاقِفَة مِنْهُمْ قَوَانِين وَشَرِيعَة بَدَعُوهَا وَأَحْدَثُوهَا فَبَنَى لَهُمْ الْكَنَائِس وَالْبِيَع الْكِبَار وَالصِّغَار وَالصَّوَامِع وَالْهَيَاكِل وَالْمَعَابِد وَالْقِلَايَات وَانْتَشَرَ دِين النَّصْرَانِيَّة فِي ذَلِكَ الزَّمَان وَاشْتَهَرَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَبْدِيل وَتَغْيِير وَتَحْرِيف وَوَضْع وَكَذِب وَمُخَالَفَة لِدِينِ الْمَسِيح وَلَمْ يَبْقَ عَلَى دِين الْمَسِيح عَلَى الْحَقِيقَة مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيل مِنْ الرُّهْبَان فَاتَّخَذُوا لَهُمْ الصَّوَامِع فِي الْبَرَارِيّ وَالْمَهَامِه وَالْقِفَار وَاسْتَحْوَذَتْ يَد النَّصَارَى عَلَى مَمْلَكَة الشَّام وَالْجَزِيرَة وَبِلَاد الرُّوم وَبَنَى هَذَا الْمَلِك الْمَذْكُور مَدِينَة قُسْطَنْطِينِيَّة وَالْقُمَامَة وَبَيْت لَحْم وَكَنَائِس بِبِلَادِ بَيْت الْمَقْدِس وَمُدُن حُورَان كَبُصْرَى وَغَيْرهَا مِنْ الْبُلْدَان بِنَاءَات هَائِلَة مُحْكَمَة وَعَبَدُوا الصَّلِيب مِنْ حِينَئِذٍ وَصَلَّوْا إِلَى الشَّرْق وَصَوَّرُوا الْكَنَائِس وَأَحَلُّوا لَحْم الْخِنْزِير وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْفُرُوع فِي دِينهمْ وَالْأُصُول وَوَضَعُوا لَهُ الْأَمَانَة الْحَقِيرَة الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْكَبِيرَة وَصَنَّفُوا لَهُ الْقَوَانِين وَبَسْط هَذَا يَطُول . وَالْغَرَض أَنَّ يَدهمْ لَمْ تَزَلْ عَلَى هَذِهِ الْبِلَاد إِلَى أَنْ اِنْتَزَعَهَا مِنْهُمْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَكَانَ فَتْح بَيْت الْمَقْدِس عَلَى يَدَيْ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَقَوْله " وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات " أَيْ الْحَلَال مِنْ الرِّزْق الطَّيِّب النَّافِع الْمُسْتَطَاب طَبْعًا وَشَرْعًا وَقَوْله " فَمَا اِخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمْ الْعِلْم " أَيْ مَا اِخْتَلَفُوا فِي شَيْء مِنْ الْمَسَائِل إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْعِلْم أَيْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَخْتَلِفُوا وَقَدْ بَيَّنَ اللَّه لَهُمْ وَأَزَالَ عَنْهُمْ اللَّبْس وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيث " إِنَّ الْيَهُود اِخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة وَإِنَّ النَّصَارَى اِخْتَلَفُوا عَلَى اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّة عَلَى ثَلَاث وَسَبْعِينَ فِرْقَة مِنْهَا وَاحِدَة فِي الْجَنَّة وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّار " . قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ " مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " . رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه بِهَذَا اللَّفْظ وَهُوَ فِي السُّنَن وَالْمَسَانِيد وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِنَّ رَبّك يَقْضِي بَيْنهمْ " أَيْ يَفْصِل بَيْنهمْ " يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الإيمان بالملائكة وأثره في حياة الأمة

    الإيمان بالملائكة وأثره في حياة الأمة: يدرس هذا الكتاب قضية الإيمان بالملائكة، وهي قضيةٌ مهمة من قضايا العقيدة، ويبحث معنى الإيمان بالملائكة، وصفات الملائكة، كما يدرس طرفًا من أعمال الملائكة المُكلَّفين بها، ثم يعرض لأوجه الاختلاف بين عمل الملائكة وعمل الشياطين، ويختتم الكتاب بأثر الإيمان بالملائكة في حياة الإنسان.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/314807

    التحميل:

  • مفسدات القلوب [ العشق ]

    مفسدات القلوب [ العشق ]: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن القلب السليم لا تكون له لذة تامة ولا سرور حقيقي إلا في محبة الله - سبحانه -، والتقرُّب إليه بما يحب، والإعراض عن كل محبوب سواه ... وإن أعظم ما يُفسِد القلب ويُبعِده عن الله - عز وجل -: داء العشق؛ فهو مرض يُردِي صاحبَه في المهالك ويُبعِده عن خير المسالك، ويجعله في الغواية، ويُضلُّه بعد الهداية ... فما العشق؟ وما أنواعه؟ وهل هو اختياري أم اضطراري؟ تساؤلات كثيرة أحببنا الإجابة عليها وعلى غيرها من خلال هذا الكتاب».

    الناشر: موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/355748

    التحميل:

  • مناظرة ابن تيمية لطائفة الرفاعية

    مناظرة ابن تيمية لطائفة الرفاعية: فهذه رسالة من رسائل الشيخ أحمد ابن تيمية - رحمه الله - تُسطِّر له موقفًا بطوليًّا وتحديًا جريئًا لطائفةٍ من الصوفية في عهده عُرِفوا بـ «الأحمدية»، وهو موقف من مواقف كثيرة وقفَها بوجه تيارات البدع والأهواء التي استفحَلَ أمرها في عصره.

    المدقق/المراجع: عبد الرحمن دمشقية

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/273071

    التحميل:

  • الورد اليومي

    الورد اليومي : فقد طلب مني من تعينت إجابته بأن ألخص من رسالتي (زاد المسلم اليومي) من الأذكار المشروعة للمسلم في اليوم والليلة ما لابد له منه من الأذكار المشروعة بعد السلام من الصلاة، وأذكار الصباح والمساء، والأذكار المشروعة عند النوم وعند الانتباه من النوم.. إلخ

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209128

    التحميل:

  • الحج .. آداب وأسرار ومشاهد

    الحج .. آداب وأسرار ومشاهد : يحتوي هذا الكتاب على بيان بعض آداب الحج، ومنافعه ودروسه، وبيان بعض مشاهد الحج مثل مشهد التقوى، والمراقبة، والصبر، والشكر ... إلخ

    الناشر: موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/172674

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة